مصطلح التنمر

مُصطلَحُ التّنمّر
إنّ كلمةَ التنمّر قديمةٌ واردةٌ في فصيحِ كلامِ العربِ ، يقول الأصمعي رحمهُ الله: تنمّرَ لِلآخرِ أي تنكّرَ لهُ وتغيّرَ وأوعدَهُ؛ لأنّ النّمر لايُلقى أبداً إلّا مُتنكّراً غضباناً، وقالَ غيرهُ: تهدّدهُ وعاملَهُ بوحشيّةٍ تعبيراً عن شِدّةِ حِقدهِ ، وقالتِ العرب: لبسَ لهُ جِلدَ نمِر أي تنكّر لهُ وتغيّر عليه مُتشبّهاً بأخلاقِ النّمر( وكان الملكُ إذا غضبَ على واحدٍ مِن رعيّتهِ، وحضرَ بينَ يديه،لبسَ لهُ جِلدَ نمِرٍ إيذاناً وتوعّداً بإنزالِ عقوبةِ القتلِ فيهِ) وقولهم :الأنمرُ مِن الخيل ،يعني الذي على خُلقِ النّمر. يقولُ الفارسُ عمرو بن معديكرب: وعلِمْتُ أنّي في يومِ ذاكَ مُنازلٌ كعباً ونهدا
قومٌ إذا لبسوا الحديدَ تنمّروا حَلَقاً وقِدّا وأرى أن التنمّر لايعني – مثلما يُفهمُ مؤخّراً- الغضبَ وسوءَ الخُلقِ ، فهذانِ يُقالُ عن فعلهِما نمِرَ كفعلِ إزعاجٍ عرضِيّ أو استفزازٍ وإيذاءٍ عَفوِيّين ، أمّا فعلُ المُطاوعةِ لنمِرَ وهو (تنمّرَ) فيُفضَّلُ أن نحملَهُ على معنى السّلوكِ المُتكرّر المُتعمّدِ للإضرارِ بشخصٍ وإجبارهِ وإيذائهِ عن طريقِ التّهديدِ والتّخويفِ والمُضايقاتِ ، لأنّ النمِر أخبثُ من الاسدِ ويحتالُ لِصيدِ فرائسهِ فإن اقترفَ المُتنمّرُ جِنايتهِ عن سبقِ إصرارٍ وترصّدٍ قُلنا عنهُ تنمّرَ، أمّا ماكان صدفةً وعرَضاً موافقاً في الشّكلِ غضبةَ النمِرِ ،قُلنا عنهُ نَمِرَ، نُقِلَ عن الفراهيدي رحمهُ الله: نمّرَ وجهَهُ أي غيّرهُ وعبّسهُ . والعربُ في قولِهِم: نمِرَ الرّجلُ وتنمّرَ ونمّرَ وجههُ لايخرجونَ عن أقيستِهِم، فهُم يشتقّون من أسماءِ الذّوات، كاشتقاقِهِم الفعلَ تَلْتَلَ مِن اسم التلّ أو التلّة وكذلكَ اشتقاقهِم الفعلَ جَبَلَ مِن الجَبَل المعروف، وعُرِفَ عنهُم اشتقاقُ أفعالٍ مِن أسماءِ الحيوان كقولِهم ثارَ مِن اسمِ الثّور لِلدّلالةِ على هيجانٍ وحركةٍ مُتصاعدةٍ ، وقولِهم خنزَرَ بثلاثةِ معانٍ: خنزرَ فلانٌ خنزرةً: غلُظَ كما يفعلُ الخِنزير( المحيط لابن عبّاد) وخنزرَ: نظرَ بِمؤخّر عينهِ( اللسان لابن منظور) وخنزرَ: فعَلَ فعلِ الخنزير( التاج للزّبيدي) وجرَدَ مِن الجرادِ بمعنى القشر والإزالة والأكل ، وفهِدَ الرّجلُ: تراخى في أداء ماعليهِ( لأنّهم يضربون بالفهد المثلَ في كثرةِ النومِ والاستغراق فيهِ، وكذلك اشتقاقهم الفعل كلبَ مِن اسمِ الكلْبِ.
قال فيلسوف: ليسَ في النّاسِ أحدٌ إلّا وفيهِ شبَهٌ مِن شجرةٍ أو دابّةٍ، فمِنهُم الغَشومُ كالأسد، والخاطفُ كالذّئب، والخبيثُ كالثّعلبِ، ومِنهم حسنُ المنظرِ غير محمودِ المَخبرِ كشجرةِ الدِّفلى، ومنهُم الرديءُ الظّاهر المحمودُ الباطن كالجوزة، ومنهم المُحبّب إلى كلّ أحد كالأترجّة الجامعة مع الحُسن طيبَ الطعم واللون والرائحة .

Exit mobile version