أجهزة “أبل” قادرة على صناعة التغيير بقطاع التشفير

تبلغ قيمة شركة “أبل” 2.5 تريليون دولار. وأمام الشركة فرص كثيرة يمكن أن تسعى وراءها حتى تحقق زيادة كبيرة في هذه القيمة.
وهنا تقفز إلى الأذهان السيارة ذاتية القيادة ونظارات الواقع المعزز (بقدر ما أحب عالم “تيد لاسو” (Ted Lasso) السينمائي، فلن تغير شيئاً تغييراً يذكر).
هناك فرصة أخرى هائلة ظلت شركة صناعة “أيفون” صامتة بشأنها إلى حد كبير: هي التشفير.

يقول ريك بورتون، وهو واحد من أوائل من ساهموا في مشروع “إثيريوم”: “إن موقف (أبل) من الرموز المشفرة والتشفير يقع بين الحياد والعداء. ومع ذلك، ربما يكون جهاز (أيفون) هو الأداة التي تحمل ملايين الناس للدخول إلى هذه المنظومة”.

التفاعل مع الاقتصاد المشفر
كيف ذلك؟ عبر بناء وسيلة صديقة للمستخدم يستطيع من خلالها التفاعل مع الاقتصاد المشفر.
مع ملاحظة أن جهاز “آيبود” ساعد المستخدمين على التفاعل مع معايير ملفات “MP3” وأن “أيفون” فعل نفس الشيء بالنسبة لمعايير الإنترنت، قال لي بورتون: “عليك أن تتذكر أن (أبل) شركة تصنع منتجات يستخدمها الناس في التفاعل مع نظم الاتصال”.
إن التشفير مجموعة من النظم أو المراسم، وهناك أدوات كثيرة للتفاعل معه. ولكن، كما كتبت المصممة ومستشارة التقنية هولين كاناكي مؤخراً لموقع “كوين-ديسك” (CoinDesk): “[هذه المنتجات] تبعد أميالاً عن مفهوم اللامركزية، وهي تقنية جداً وتتألف من واجهات مستخدم متنافرة”.

وضحت هذه الفكرة أكثر في يناير الماضي عندما كتب مؤسس شركة “سيغنال” (Signal) موكسي مارلينسبايك رسالة قصيرة انتشرت انتشاراً واسعاً تحت عنوان “انطباعاتي الأولى عن الجيل الثالث للإنترنت (ويب3)”.
لاحظ أن وعد قطاع التشفير في الوصول إلى حزمة تقنية لامركزية يصطدم مع سلوك البشر: “إن الناس لا يريدون تشغيل أجهزة خوادم تخصهم ولن يفعلوا ذلك أبداً”. (وترجمتي التقريبية لذلك هي: أن الحالة الأساسية لنا هي البساطة والكسل).
يعتقد بورتون أن جهاز “أيفون” – الذي يحمله أكثر من مليار إنسان في جيوبهم للاستخدام اليومي – يمكن أن يخفف هذه المشكلة بطريقتين:
· ملحق متصفح “سافاري”: إن أحد أهم أدوات الدخول على نظم التشفير حتى الآن هي محفظة “ميتاماسك” (Metamask)، وهي محفظة للعملات المشفرة تلحق بمتصفح “كروم” (Chrome) وتضم 21 مليون مستخدم. ويوفر تحديث نظام “أبل” (iOS 15) في نوفمبر الماضي دعماً أكبر للالتحاق بمتصفح الإنترنت.
وعلى خلفية أن 54% من تصفح الإنترنت بالهاتف المحمول في أمريكا يستخدم متصفح “سافاري”، فإن هناك فرصة لتطوير مزيد من أدوات التفاعل مع النظم المشفرة عبر جهاز “أيفون”.
· المحفظة الصلبة: في الذاكرة الصلبة بجهاز “أيفون” توجد منطقة تسمى “المنطقة الآمنة”. وهي عبارة عن نظام فرعي على معالج “أبل” الخاص – “شريحة A1” بجهاز “أيفون” – التي تختزن معلومات التطبيقات الحساسة (مفاتيح المرور، وبيانات المقاييس الحيوية) مثل تطبيقات “بصمة الوجه” (FaceID) و”أبل باي” (Apple Pay) لخدمة الدفع الإليكترونية.
وما يتسم بأهمية حاسمة هو أن نظام “آي أو إس” (iOS) لا يستطيع الدخول مباشرة إلى هذه البيانات. وإذا أضافت “أبل” توقيعاً مشفراً يعرف بـ “خوارزمية التوقيع الرقمي بالمنحنى الإهليلجي” (ECDSA)، يصبح جهاز “أيفون” محفظة صلبة وآمنة للعملات المشفرة تحتفظ بداخلها بالمفاتيح الخاصة للمصادقة الرقمية.
يقول بورتون: “إن ملحقاً جيداً بمتصفح الإنترنت يوفر حلاً في الأجل القريب من أجل تفاعل مستخدمي منصات التشفير”.

بورتون حوَّل تفاؤله وحماسه إلى إجراءات فعلية عن طريق تطوير أداة “بالانس” (Balance)، وهي محفظة للرموز المشفرة مفتوحة المصدر تلحق بمتصفح (هل خمنت ماهو؟) “سافاري”.
تعتبر المحفظة الصلبة حلاً طويل المدى، ولكنه حل قد يصبح ثورياً– مع قدرة “أبل” على ابتكار أدوات صديقة للمستخدم.
من بعض الزوايا، يعتبر قطاع التشفير رهن إشارة “أبل” بالفعل. فقد لاحظ برايان أرمسترونغ، الرئيس التنفيذي لشركة “كوين بيس غلوبال”، في تدوينة في 4 فبراير الماضي أن بورصة العملات المشفرة يجب أن “تلعب بقواعد (أبل)” حتى تدرج في متجر التطبيقات “أب ستور” وتخدم مستخدمي جهاز “أيفون”.

موقف “أبل” من التشفير

ولكن ماذا تعتقد “أبل” فعلاً عن قطاع التشفير؟
في الوقت الحاضر، يستطيع مستخدمو جهاز “أيفون” تنزيل تطبيقات محفظة العملات المشفرة (مثل كوين بيس وكريبتو دوت كوم)، غير أن الشركة اعتبرت تطبيقات إظهار الرموز غير القابلة للاستبدال غير ملائمة لعرضها على منصة “آب ستور”.
ويبدو أن هذا الموقف، رغم ذلك، مرتبط بمتجر “آب ستور” التابع لشركة “أبل” أكثر من مسألة التشفير.
فقد قال الرئيس التنفيذي لشركة “أبل” تيم كوك أمام مؤتمر “ديل-بوك” (DealBook Conference) في نوفمبر الماضي إنه يملك رموزاً مشفرة “في إطار تنويع محفظته”.
وفي حين قال إن شركة “أبل” ليس “لديها خطط مباشرة” لتبني مدفوعات بالعملة المشفرة، “فهناك أمور تنظر فيها [الشركة] بالتأكيد”.
كذلك يبحث البيت الأبيض في كيفية تنشيط الابتكار في مجال التشفير. وقد وقَّع الرئيس جو بايدن مؤخراً أمراً تنفيذياً بشأن الرموز المشفرة يتضمن في أهدافه دفع “تنافسية وريادة الولايات المتحدة” في تكنولوجيا الأصول الرقمية.
يقول بورتون: “مع تشكيل الأصول المشفرة جزءاً أكبر من ثروة الناس، فسوف يعطون أولوية للأمن والخصوصية. وقد طور كوك هذه الخصائص من البداية. ومقارنة مع اللاعبين الآخرين من شركات التكنولوجيا الكبيرة (غوغل وميتا)، فإنني أثق أن شركة (أبل) ستفعل ما يناسب الناس إذا اقتحمت مجال التشفير”.
إن تبنى شركة “أبل” للرموز المشفرة لن يكون المرة الأولى التي تغير فيها شركة تكنولوجية كبيرة وهامة من موقفها. فقد سقطت قطعة دومينو مهمة في الأسبوع الماضي عندما طرحت شركة المدفوعات العملاقة “سترايب” (Stripe) جناحاً للأدوات الخاصة بالبنية التحتية للرموز المشفرة. وكانت في السابق أطلقت ثم فككت فريقها الخاص بالرموز المشفرة في عام 2018.
لم تكن هذه الخطوة مفاجئة لبورتون، الذي عمل فترة قصيرة بشركة “سترايب” في أيامها الأولى: “إن شركات الجيل الثاني للإنترنت جميعاً تعود إلى تأييد الرموز المشفرة عندما ترى كيف أنها تستطيع فعلاً أن تساعد عملاءها”.

Exit mobile version